١. ملخص. مع إستئناف محادثات السلام حول سوريا، على لبنان أن يَعْمَل بعزمٍ وحزم على المستويَيْن الوطني والدولي لدرء مخاطر وقع حربها على أمنِه ومجتَمعِه وإقتصادِه. “فالمجتمع الدولي” يؤكِّد إلتزامَه بإستقرار لبنان، غير أن سياساته الفعلية إزاء الوجود العارم للآجئين السوريين، تدفع بلبنان إلى شفير الهاوية. فلبنان المكتظّ بالسكان يحمل الوزر الأكبر لموجة نزوحٍ لا مثيل لها، ولذا يطالب من الأطراف الفاعلة: إقامةَ مناطق آمنة داخل سوريا تمكِّن السوريين من العودة لوطنهم؛ وإيواء اللآجئين بِتقاسمٍ منصفٍ عبر دول العالم تبعاً لطاقة كل دولة، وخاصةً تلك التي لم تنأ بنفسها عن حرب سوريا. وفي هذا الإطار، على لبنان إعادة تقييم السياسات الحالية والترتيبات المؤسساتية واللوجستية لإدارة ملف الآجئين بما فيه إقامتهم وعمليات المساعدة لهم.

٢. هل مُقَدَّرٌ على لبنانَ أن يكونَ أبداً مخيماً إقليمياً للّاجئين؟ يرزح لبنان نتيجة النزوح البشري غير المسبوق لأراضيه تحت عبءٍ لا يُحْتَمَل وغير مُتقاَسم بالتساوي. فقد غدا لبنانُ الأولَ بين الدولِ المضيفةٍ للآجئين، ربما مِنْ حيث الأعداد المطلقة، ودون شكّ مُقارَنَةً بصِغَرِ مساحَتِه وعَدَدِ سكَّانِه. لقد دَخَلَتْ أحداثُ سوريا عامَها الخامس وشعبُها يُعاني من دوَّامةِ عنفٍ ودمارٍ دَفَعَت بنصف أبنائِه الى النزوحِ – سبعة ملايين داخل وطنِهم، وخمسة ملايين خارجه، خاصة في بلدانِ الجوارِ ومنها لبنان. وسرعان ما ولَّى الإعتقادُ السائدُ أولاً أن عددَ النازحين إلى لبنانَ سيكون ضئيلاً وفترةَ اقامتِهم قصيرةً، إذ تنامت أعدادُ الوافدينَ بوتيرةٍ متسارعة. فيوجدُ حالياً مليون ومئتي ألف نازحٍ مسجَّلين في لبنان، إضافةً إلى السورييِّن المقيمين فيه قبل الحرب كالعاملين في البناء والزراعة الموسمية، وستّين ألف ولادة سُجِّلَتْ حتى الآن للآجئين، ليصل المجموع إلى أكثر من مليون ونصف (دون إحتساب من دخل خلسةً)، ما يفوق ثُلْثَ المواطنين اللبنانيين المقيمين. ويترتب على هذه الأعداد أعباءٌ باهظة على الإقتصاد الوطني، وقدرةِ الدولة، المتآكلة أصلاً، على تلبيةِ الطلبِ المتزايد في مجالات الصحةِ والتعليمِ والبنى التحتيَّة وحفظِ الأمن، وما لذلك من وقعٍ على الخزينةِ. فعلى الصعيدِ الإقتصادي البَحْت، إنَّ الإخلالَ بالتوازناتِ الناجم عن زيادةِ الطلبِ بِقَرابةِ ٣٠٪ بين ليلةٍ وضُحاها دونَ مقابلٍ في وفْرَةِ العرضِ، يُجَسِّدُ “صدمةَ إقتصادية” يَعْقِبها تَقَلُّصٌ في طاقاتِ الإنتاجِ وتَرَدّ في مستوياتِ الرفاهية، خاصةً في بلدٍ كلبنانَ لم يتعافَ من مُخَلَّفاتِ حربِه العَبَثِيَّة من حيثِ إعادةِ تأهيلِ البنى التحتية وبناء المؤسساتِ.

٣. مخاطرُ الجِوارِ وتداعيات حرب سوريا على لبنان. لقد عانى الإقتصادُ اللبناني بشكلٍ ملحوظ من أحداث سوريا نظراً لإعتماده على قطاعِ الخدماتِ الذي يتأثر بالمخاطر الأمنيةِ. وكانت النتائج السلبية بيِّنَةً في تراجع الإستثمارات وفرص العمل، وتعَثُّر طرقِ التجار، وتدهور المناخ المؤاتي للسياحية،. ويُظهر تَقْييمُ أحداثِ سوريا ثَمَنَها الباهظ بما فيه، سنوياً: (أ) تَقَلُّصاً في الناتج المحلي بمبلغ ٢.5 مليار دولار (٥٪ من الناتج)؛ و(ب) نفقات خزينة بمبلغ ١.٧ مليار دولار لتقديم خدمات للنازحين من عناية صحية في المستشفيات الحكومية، وتعليم في المدارس الرسمية (حالياً ٢٠٠،٠٠٠ سوري، و٢٨٠،٠٠٠ لبناني)، ودعم لأسعار الطاقة وغيرها، وتراجع في عائدات الخزينة نتيجة ركود الإقتصاد. كما يضيف الوَقْعُ الإجتماعي للأزمة إلى معاناة فقراء لبنان، حيث أدَّى النزوحِ إلى وَفْرَةٍ ضَخْمَةٍ في اليدِ العاملة، ما يساهم في تراجعِ معدَّلاتِ الأُجور ومستوى معيشةِ المواطنين بما في ذلك: (أ) تضاعف معدَّل البطالة لا سيما اليد العاملة غير المؤهَّلَة في المناطق الحدودية الأشد فقراً والأقل إنماءً والتي تَشْهَد أعلى كثافةٍ للنازِحين؛ و(ب) ازدياد عدد الفقراء اللبنانيين من مليون إلى مليون ومائة وسبعين ألفاً.

٤. حربٌ ضروس طويلة قد تُحَوِّل اللآجئين إلى مقيمين دائمين. “ليس كلُّ اللآجئين على قدم مساواة”. لنفترض أن النزوح كان نتيجة فيضانات نهر الفرات مثلاً. ويعقب الكارثة الطبيعية هذه تقييمٌ موثوق نسبياً للإحتياجات يُحدِّد المعالم العريضة والأكلاف والمدة المتوقعة لإعادة التأهيل والإعمار، فيعمل على أساسه المجتمع الدولي بجدٍ وإزماع لتحقيق أسرع عودة ممكنة للمشرَّدين. ولننظُر في المقابل إلى واقع النزوح في لبنان حيث التنبؤ بمدَّة الحرب ونتائجها لا يتعدّى الإستنباط وعلم الغيب، فيما المؤكّد أن جسامةَ الدمارِ ورقعةَ إنتشارِه ليُنْذِران بِأن مُدَّةَ إعادةِ إعمار سوريا وترميم إقتصادها ستكون طويلةً بعد إستتبابِ السلمِ، نظراً لما ألحَقَ إستعمال القوَّة إلى حدٍّ غيرَ معهودٍ في الحروبِ الأهلِيَّة من إتْلافٍ لمُنْشَآت السَكَنِ ومرافقِ العملِ ووسائل الإنتاجِ. كما أنه ليس من ضمانة أن هذا “المجتمع الدولي” عينه، وقد غدا طرفاً في نزاع سوريا، سوف يُغدِق المنّ والعطاء، جاهداً في عملية الإعمار في جميع سيناريوهات التسوية السلمية. أضف إلى ذلك أن التطهير العرقي الناجم عن تصارع مختلف الفصائل لتوسيع سيطرتها على الأرض قد يَحْول دون رجوع العديد ممَّن هُجِّروا إلى قراهم ومنازلهم. لِذا على لبنانَ التَحَسُّب أن إقامةَ النازِحِين قد تطول، إن لم تغدُ واقعاً مستداماً. ولبيانات مجلس الأمن الدولي عن عودة اللاجئين “الطوعية” إلى سوريا عند إستتباب السلام دلالة في هذا الصدد.

٥. نارٌ مُستَعِرَة في سوريا تَمتَدُّ لِهابُها إلى لبنان. إن الوجود الضاغط والطويل للآجئين في مناطق عِدَّة باتَ يُشَكِّلُ موضوعَ نزاعٍ داخلي متفاقم يُهَدِّدُ التماسكَ الإجتماعي ويَخْلُق نقمةً وتبايناً متزايدَيْن بين النازحين والمجتمعاتِ المُضيفة نتيجةَ إرتفاعِ معدَّلاتِ البطالة واعدادِ الفقراء بسبب مزاحمة النازِحين للمواطنين في أسواق العمل ومساحات السكن في عَقرِ دارِهم. وهذا يُلْزِم لبنانَ درء تداعيات الأزمة المتشعِّبة، وقد غدا بعضٌها عصياً على الإصلاح. وأصبحت معالجة هذا الجانب من وطأةِ النزوحِ ضروريةَ للحفاظِ على التوازناتِ الديموغرافيَّة والمناطقيَّة والعمرانيَّة والبيئَّية والإقتصاديَّة والإجتماعيَّة، فلا يغدو لبنان عرضةً لمخاطرَ تُضعضعُ مجتمعَه وتُضعِفُ لُحْمَتَه. كما أن ضبطَ وجودِ النازحين العارم هو من صلب المسائل اللبنانية-السورية-الإقليمية التي تنتظر الحلول لنزع فتائل الصراع ومخاطره على لبنان، لاسيما أن بين الوافدين إليه مَنْ يُعادي نظامَ دمشق ومن يؤيِّده، وقد يكون لكلاهما القدرة على العبث بالأمن. وأخطر ما في الأمر هو تفاقم النزاع داخل الأراضي اللبنانية نتيجة تسلل عناصر إجرامية ركبت موجات النزوح المتعاقبة. ويتجلّى ذلك في جرود عرسال حيث تُواجه عناصرُ داعش والنصرة الجيشَ اللبناني، وتتصارع ما بينها. وما يؤجِّج الإحتقان هو التباين في مواقف وتحالفات اللبنانيين أنفسهم حيال حربِ سوريا، وقد عبرت شرارُها حدودَ الوطن في كلا الاتجاهين. كما تنشأ المخاطر من وجود أعدادٍ كبيرة من المُهَجَّرين قد تدفعهم حالُهُم الإقتصادية والإجتماعية المزرية إلى الإخلال بالأمن والعبث بسلامةِ المواطنين وممتلكاتهم، ومن إقامتهم في بيئة غير صحية تُعَزِّز نشوب الأوباء وانتشارها.

٦. على لبنان، فيما يلتزم مسؤولياته كبلدٍ مضيف، التمييز بين لاجئي الحرب والهجرة الإقتصادية، والعمل على ترشيِدِ إدارة المساعداتِ للنازِحين. إن سياسةَ لبنانَ المَبنيَّة على معيارِ خدماتٍ (تعليم، صحَّة، كهرباء،…) موحَّد للمواطنين والنازحين قد شَجِّعت هجرةَ السوريين إلى لبنان بدوافعَ لم تكن حصراً أمنيةٍ بل أيضاً إقتصادية نظراَ لتَدَهْوُرِ إقتصادِ سوريا وتفاوت مستوى المعيشة حيث يفوق مُعَدَّلُ الدخلِ في لبنانَ عشرةَ أضعاف ما هو عليه في سوريا. وأبرز برهانٍ كان إنتظامِ حركةِ الدخولِ التي شهدها لبنان – بما في ذلك من مناطقَ بعيدةٍ (كَحَلَب) ليست حدودُ لبنانَ الأقربَ إليها، او تَقَع خارجَ حلبةِ الإقتتال – والتسجيل لدى هيئات الإغاثة بوتيرةٍ ثابتةً بِغَضِّ النظر عن التطوُّراتِ الميدانيَّة في سوريا. وبِهَدَفِ تحقيقِ إستدامةِ برنامجِ المساعداتِ، على لبنان إعادة النظر في رزمةِ الخدماتِ المقدَّمَة للآجئين على أساس أن إقامتَهم في لبنانَ موقتةٌ بانتظارِ أول فرصة للعودة إلى الديار. فالواجب الإنساني للدولة المضيفة هو تقديم مستوى من الخدمات الحيويَّة يتناسبُ والمعاييرَ المتَّبَعَة للجوءِ عالمياً، واليقين أن إمتيازاتِ وحقوقِ المواطنين اللبنانيين في ما يحْصَلون عليه من خدماتٍ كَماً ونَوْعاً – وقد باتَتْ تفوق قُدْرَةَ الدولةِ – لا يمكن أن تُشَكِّل معياراً للمعوناتِ المقدَّمة لنازحي الحرب.

٧. للسلطات اللبنانية حصرية رسم سياسة وإدارة أزمة النزوح، بالتنسيق مع الجهات المانحة. لذا فعليها أن تستعيد المبادرة وتقْبِضُ على زمامِ الأُمورِ بتولِّيها حَصْرِياَ، عبر أجهزتِها ومؤسساتِها الوطنية، إدارة هذا الملف المفصلي وفقاً “لخارطة الطريق للتدخُّلاتِ ذاتِ الأولوية” التي كانت قد وَضَعَتْها بالتشاور مع المانحين لدرءِ تداعياتِ أزمةِ النزوحِ بما في ذلك على المُجْتَمَعاتِ المضيفة. وعليه فمن الضروري أن تَنْدَرِجَ كل أعمالِ ومساهماتِ المانحين وعمليات الإغاثة في إطارِ خُطَّةِ الدولة هذه، بإدارة المؤسسات الوطنية المَعْنيَّة بالتعاون مع المانحين وبإشرافٍ مشترك، ولم يكن هذا هو الحال دائما. وللرد على مخاوف المانحين المتعلقة بالحَوْكَمة والاستخدام الشفاف والفعال لمواردهم، إقترحَ لبنان أن تُحَوَّل المساعدات عبر “صندوق ائتماني لسوريا” يُسْتَحْدَث لهذه الغاية ويديره البنك الدولي وفقاً لمعاييره الإحترازية. غير أن ذلك لم يُجْدِ ذلك نفعاً إذ رغم تأسيسه منذ سنتين، لم تَتَعَدَّ التبرعاتُ للصندوق ٧٥ مليون دولاراً، مقارنةً بحاجاتٍ تفوق أربعةَ مليارات.

٨. فيما يَطالب لبنان “تقاسم أعداد” النازحين، يسعى المجتمع الدولي إلى إيوائهم في بلدان الجوار. فلبنان يدعو إلى معالجةٍ على المستوى العالمي لمأساة اللآجئين التي يجب الكف عن إعتبارها مأزقاً لدول الجوار فقط، يمليه الواقع الجغرافي. لذا على البلدان المعنية بمستقبل سوريا والتي لم تنأ بنفسها عن حربها المستعرة، بل شاركت فيها – بشكل مباشر أو غير مباشر في تمويل وتسليح ومساعدة الجهات المتناحرة – أن تتقاسم مسؤوليةَ عواقب الحرب وأولها إستقبال النازحين (ومنها العالم العربي الذي كان موقفه من قضية إستقبال اللّاجئين مثيراً للخيبة). فيكون ذلك في إطار سياسة توزيع الأعداد بين الدول المعنيَّة، تُراعَى فيها طاقاتُ البلدِ المضيف ومساحاتُه الآهِلَة وكثافتُه السكّانيَّة وحجم إقتصاده. غير أن طلبَ لبنان هذا لم يَلْقَ آذاناَ صاغية لدى الدول الفاعلة التي، “حرصاً على حقوقِ الإنسان” تُعارضُ أيَّ سياسةَ نزوحٍ مَشْروط لبلدٍ آخر، فيما توصد أبوابَها في وجه اللُّجوء. والحقيقة أنها ترى في لبنانَ خَطَّ دفاعٍ وجِدارَ عزلٍ أوَليَّيْن لإحتواءِ حركةِ الهجرةِ وحصرها مَنْعاً لِبُلوغِها شواطِئها ومدنها. لذا يعمل المجتمع الدولي جاهداً على إبقاء اللآجئين في لبنان والأردن وتركيا دون إكتراثٍ إلى الأكلاف والآثار المترتبة على هذا الوجود. والوسيلة الأمضى لتحقيق هذا الهدف هو أن يَنْصَهِر اللآجئون في النسيج الاقتصادي والاجتماعي والحضري لبلدان الجوار، بحيث يصبحوا جزءاً لا يتجَزّأ من القوى العاملة المحلية. ومن هنا إقتراح المجتمع الدولي تمويل برامج لخلق فرص عمل للآجئين في هذه الدول – مُدّعياً أنها تُوفِّر العمل أيضاً للمواطنين، فيما هي تُقْصيهم فعلاً لصالح العمالة السورية الأبخث إجراً – وهذا ما على لبنان أن يرفضه جملةً وتفصيلاً.

٩. قضيَّةُ تَخَطَّت الأكلافَ إلى الأعدادِ التي يجب تقاسمها. مهما تَعَثَّرَت الأوضاعُ في سوريا، للبنانَ طاقةٌ محدودة يجب الإتفاق عليها رقماً وكما،ً لعدد النازحين الذين يُمْكِنُ له إحتضانُهم إلى أجلٍ مُسَمَّى في ظروفٍ تُؤَمِّنُ لهم حداً أدنى من العنايةِ، وتُحافِظ على إستقرارِ لبنانَ وأمنِ أراضيه وسلامَةِ أهاليه. فلم يَعدْ من المُمْكِن حصرُ معالجةِ أزمةِ النزوح بإستجداءِ معونةِ الجهات المانحة، مهما سَخَتْ من وجهة نظرها، فيما لم تَتَعَدَّ مساهمتُها الفعلية قطرات شحيحة في محيطٍ شاسع من الاحتياجات. ويمكن للبنان أن يحمل جزءاً منصفاً من المسؤلية وليس أكثر، في إطار سياسة تقاسم الأعداد، علماً أنه قد تخطّىى بأشواطٍ حدودَ ما قد يترتَّب عليه أيٍاً كانت معايير التوزيع، بعدما دفع النزوحُ السوري كثافتَه السكانية بأكثر من الثلث إلى ٦٠٠ شخص/كلم٢، وهي المرتبة الخامسة في العالم إذا إستُثْنِيَت “المدن-الدول”. وعلى لبنان إعادة النظر بسياساتِه لضبطِ وإدارةِ وتنظيمِ واقع النزوح ووقعه، بما فيه الإجراءاتِ الحالية لإيواء النارحين وتوفيرِ الخدمات لهم ووضعَ الترتيبات اللوجستية الموآتية، كإحداثِ مراكزَ تجمُّعٍ للنازحين يمكن فيها ترشيدُ الإمدادِ بالمساعدة وإدارة عمليَّاتها (ويمكن أن تَتَوَفَّر ضمن هذه المجمَّعات، وضمنها حصراً، فرصُ عملٍ مُمَوَّلة من الجهاتِ المانحة). والحَلُّ هذا جديرٌ بالدرسِ في لبنان رغم عدم الحماسة لإنشاء مُجَمُّعاتٍ لِما لتجربةِ المخيماتِ الفلسطينية من صدًى في الذاكرة.

١٠. آن الأوان لإنشاء ملاذات آمنة داخل سوريا. أفْرَزتَ حربُ سوريا عبر سنينها الخمس مناطقَ آهِلَة غيرَ مُتَنَازَع عليها خارج دائرة العنف. فمع إستئناف محادثات السلام، يطلب لبنان من الجِهات الفاعلة المعنية بمأساة سوريا أن تعمل لتَحْيِيد هذه المناطق السورية الآمِنَة، ما يَسْمَح بإمدادِها بالمساعداتِ الإنسانية المطلوبة في إطارِ مُجَمَّعاتٍ تُنَظَّمُ لإيواءِ وحمايةِ من غادَرَ قسراً مناطقَ النزاع. فَيُمْكِنُ عندها تعزيزُ سلامةِ المدنيِّين دونَ تشريدِهم المُذِّل خارجَ وطنِهم، والحَدُّ من أعباء النزوح وتداعياته على دولِ الجوار وشعوبِها، وخاصة لبنانَ واللبنانيين. وعلى لبنان العمل على تأمين الدعم الدولي والإقليمي لعودة النازحين إلى حيث إنكفأت المعارك داخل الأراضي السورية. وكانت المعارضة لهذا الطرح قائمة على المبدأ أن تطبيقَه، في غيابِ قرار لإستعمال القوّة من مجلسِ الأمن الدولي، يَشْتَرِط موافقةَ أطراف النزاعِ لِتَأمينِ حمايةِ قاطِني المُجَمَّعات، وهو أمر غير واردٍ نظراً لإنعدام الثقة بطاقة أو إرادة المجموعات المتناحرة ضمان سلامَةِ أية مُجَمَّعات. اما الآن وقد دخلت القوى الخارجية الفاعلة ذات التأثير على مصير سوريا المأساوي، المعركة، تشٌنُّ الغرات الجوية حينما وأينما إرتأت دون تفويض من مجلس الأمن، فبوسعها التحرك لإنشاء مناطق آمنة تحميها جواً، مع قوّاتٍ من دولٍ مُتَّفَق عليها تحفظ أمنَها أرضاً.

١١. إن مصلحةَ لبنان وخيرَه قِوامُهما سياسة وطنية جامعة يؤازرها المجتمع الدولي لإحتواء أزمة اللآجئين قبل فوات الأوان. لقد ولّى زمن النظر إلى مسألة النزوح كسحابة عابرة سوف تنجلي مع إزهار “الربيع العربي” في سوريا، وغدت معضلة أساسية تتطلب رداً وطنياً حازماً. وحتى لّا يغدو لبنانُ كمركبٍ دون دفةٍ ولا مرساة تتقاذفه أمواجُ حربِ سوريا العاتية، عليه اليقظة والعَمَل بِكُلِّ مُكَوِّناتِه وفئاتِه ومؤسساتِه لمواجهةِ تداعياتِ أزمة النزوح البشري غير المسبوقة، وإعتماد سياسةِ خَلاصٍ نابِعَةٍ من إجماعٍ وطني راسخٍ يَجْري التنسيق لها مع القوى الفاعلة المعنيَّةِ في الصراعِ الدائر في سوريا وعليها. وفي حين يُؤكّد المجتمع الدولي”نظرياً” تعلّقَه بإستقرار لبنان وأمنه، إلا أن مواقفه الفعلية – منها سياسة النعامة، ومنها خدمة لمصالح ذاتية أولُّها ردع الهجرة إلى معاقله – ازاء هول أزمة اللآجئين، تتجاهَلَ إلى حدِّ كارثي ما قد يُلْحِقُ النزوحُ بلبنانَ مِن آفاتٍ ونَكَباتٍ وتَصَدُّعاتٍ تُهَدِّدُ إستقرارَه وإقتصادَه وتماسكَ مجتمعِه.

سمير خليل الضاهر- مستشار سابق ـ البنك الدولي شباط ٢٠١٦